JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

recent
أحدث الموضوعات

قصة قصيرة : الحدوة و الصبي و الحداد ..

قصية قصيرة .. عن حكمة نأخذها من مواقف حياتنا

الحدوة و الصبي و الحداد ..

ورشة " عم أحمد " الحداد، ورشة حدادة متواضعة وقديمة جداً، نشأت في أحد أحياء القاهرة القديمة، توارثتها الأجيال، لا هم يُطوّرون فيها ولا يُفرّطون ! بابها الخشبي المتهالك،يخبرك أنها من عهد المماليك، ,ويؤكد على عمرها السحيق. ما تبقى على الباب من بعض القطع الخشبية محبوكة الصنع ذات الطراز الإسلامي تقول لك أن من كانوا في هذه الورشة من الزمن البعيد يحبون الفنون التشكيلية. حوائطها مرصعة بحدوات الخيل وقد نسجت عليها العناكب أعشاشها وبنت عليها بيوتها لتحفظها من التراب ! أينما نظرت في هذه الورشة وجدت حدوة هنا او هناك، تفهم منها أنها ورشة لتصنيع الحدوات.

لا تعمُر الورشة من أدوات الحدادة إلا القليل منها، مطرقة يُطرق بها الحديد المسكين ولا يعرف بأي ذنب ضُرب، والسندان الذي يطرق عليه الحديد حتى يتوب عن شكله ويلين، والكير - جهنم الحمراء - يتحول فيه الحديد من صلابته العنيدة إلى قطعة من العجين تتشكل حسب إرادة الحداد، بالإضافة إلى بعض الأدوات المساعدة. ولايؤنس عم احمد في ورشته إلا غلام صغير يساعده في أعماله، وفي مهنة الحدادة يقولون على الغلمان المساعدة للأسطى " الصبي "، وكان صبي عم احمد يُدعى دُقدُق.
قصة قصيرة عن ورشة عم أحمد الحداد و صبيه دُقدُق والحدوة
معروفٌ هو عم أحمد بين سكان الحي بالحكيم، ويطلقون على ورشته " معمل الحكمة". كل يوم لهم من هذه الورشة قصة يخرجون منها بحكمة، يحكيها الصبي لأصحابه، أو يتناقلها الجيران بينهم.
كعادته كل يوم، بدأ عم أحمد يومه بإشعال الكير ليبدأ العمل. فقام بترتيب أدواته بجانب السندان وساعده دُقدُق في هذا العمل بسعادة. يحب دُقدُق عم أحمد ويحب أن يتعلم منه فنون الطرق على الحديد وتشكيله بصبر وإحتراف. جهز دُقدُق الحديد وألقاه في النار، كلما ألقى قطعة حديد في النار ضحك، ويضحك عم احمد لضحكته، كانت متعته الطفوليه تظهر في إبتسامته عندما يرى عم أحمد وهو ينفخ الكير حتى تشتد النيران على الحديد، فيتوهج وينير بلونه الأحمر. لقط عم أحمد أول قطعة حديد من الكير، ماسكاً إياها ب " اللقط "، وجلس أمام السندان وبجواره دُقدُق ليتعلم، وينتظر طلبات عم أحمد إذا أراد المساعدة. بدأ عم احمد في الطرق على الحديدة، طرقات متتابعة وبقوة، تعقبها نظرة متفحصة وفي النهاية تستجيب الحديدة لأن تتحول وتكون " حدوة "، نظر عم أحمد للحدوة بنظرة رضا، بسعادة النحات عندما ينتهي من صنع تمثاله المفضل.

طلب عم أحمد من دُقدُق أن يتحفه بكوب من الشاي بالنعناع. زرع عم أحمد بعض من النعناع البلدي أسفل شجرة شامخة على الرصيف، أخذ منها دٌقدُق ما يكفي لعمل كوبين من الشاي بالنعناع. شربا الشاي وقاما لإستكمال العمل. جاء الدور على قطعة الحديد الثانية، وليتها تستطيع الهرب من جولة تكسير العظام ! لقطها عم احمد من بين إخوتها وذهب بها للسندان ليبدأ عملية التشكيل، ودُقدُق ينظر بنهم، تمردت هذه القطعة في هذه المرّة وحاولت الهرب قافزةً من بين فكي " اللقط " لتسقط على الأرض، إلا أن دّقدُق حاول أن يثبت براعته وسرعته في خطف جنين الحدوة الذي بدأ في التشكل، قبل سقوطه على الأرض، صرخ الصبي عندما إلتحمت الحدوة الجنين بلحم يده تاركاً إياها لتسقط على الأرض ملوثةً ببقايا جلدٍ منزوع ودمٍ محروق. سارع عم أحمد بغسل يد الصبي، وقد غسل الجرح قبله دمع الصبي، ضمد له جرحه مشفقاً عليه، وداعبه بكلماتٍ حانياتٍ تبسم لها الصبي وقد اغرورقت عيناه بالدمع من إلمِ. هدأت نيران الكير فليس لها الآن من نافخ، ولو كان من احدٍ سعيد في هذا اليوم، ما كان سوى قطع الحديد التي نجت من الطرق. أُطفئت النيران في الكير ولم تطفأ في يد الصبي، كلما نظر ليده شم فيها رائحة شواء جلده، فيبكي.

أغلق عم احمد الورشة ليوصل دُقدُق إلى بيته، واضعا يده على كتف الصبي الباكي ويهمس ضاحكاً، قائلاً " حد يمسك الحديد بإيديه وهو سخن يا واد .. ما تسيبها تقع على الأرض ولّا تتنيل !! إيه .. صعبت عليك أوي !! كنت خايف عليها تقع على الأرض لتترب ؟ " ضحك الصبي للأخيرة، واستكمل عم أحمد كلامه قائلاً " عارف يا دُقدُق، إحنا بنقابل في حياتنا كل يوم حدوة حمرا، سخنة ملهلبة، لو حاولنا نوقفها بتجرحنا، لما تقابل الحدوة دي في طريقك لازم تسيبها تقع، إوعى تحاول توقفها،  لو حاولت توقفها هاتجرحك، سيبها تقع، ولما تبرد، خدها من تاني وإبدأ معاها من جديد ".

قصص أخرى قد تعجبك :

قصة قصيرة : حجر النرد
قصة قصيرة : وحدة الحكمة
NomE-mailMessage